سمفونية الأمل”حفل سمفوني مبهر في المملكة العربية السعودية هبة القوّاس: المملكة هي الحاضن الأكبر للبنان الجريح
كان لبنان الحاضر الأكبر في الحفل السمفوني الثقافي الخيري الذي شهده قصر حطّين في الرياض يوم 30 أكتوبر 2024، تحت عنوان “سمفونية الأمل”، برعاية صاحب السمو الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان آل سعود/ وزير الثقافة، وبدعوة من صاحبة السمو الأميرة أ.د. مشاعل بنت محمد بن سعود آل سعود/ رئيسة مجلس إدارة جمعية “السلياك”، وإنتاج مؤسسة هبة القواس الدولية HKI.
حملت رائدة الأوبرا العربية المؤلفة الموسيقية والسوبرانو السعودية د. هبة القواس، لبنان الجريح في قلبها وصوتها، في رسالة من المملكة إلى العالم، عبّرت فيها عن ألمها لما يشهده لبنان من مآسٍ، ودعت في كلمتها المؤثّرة إلى الوقوف إلى جانب لبنان في أقسى ما يمرّ به في تاريخه الحديث، بصرخة وجدانية عميقة عبّرت فيها عن حق بلد الأرز في العيش بسلام وأمان وازدهار، وهو الذي أهدى العالم هذه الرسالة السامية كنموذج للحضارة والثقاقة والانفتاح والفن والجمال. وأكد حضور القواس الكبير في الحفلة الضخمة التي نظمتها جمعية السلياك لدعم مرضى السلياك، أنّ مبدعي لبنان ومثقفيه هم القدوة في الصمود والنضال من أجل استعادة مجد لبنان، ودعت إلى التكاتف والتضامن للنهوض بالبلد من محنته. وتوجهت القواس إلى الحضور بكلمة من القلب أهدت فيها الأمسية إلى “وطنها” المملكة العربية السعودية، “التي نجتمع فيها على الموسيقى في خدمة الإنسان وعلى الحب والخير والأمل. وفي هذه الليلة التي ننشر فيها الوعي عن مرض خفي هو السلياك، الوعي الذي يمكن أن ينقذ حياة الناس وذلك بفضل جمعية السلياك. في هذه الليلة التي تحمل الوعي والحب والفرح، وطني الأم مجروح، وطني لبنان يعاني، ولكن وطني المملكة العربية السعودية ينضح بالأمل. وأضافت: “لقد حصلت على العديد من الأوسمة والجوائز العالمية، ولكنني أعتبر أن أهم وسام حققته هو أنني مُنحت الجنسية السعودية، وهذا هو الإنجاز الأكبر الذي اعتز به. وأغتنم هذه الفرصة لأشكر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود وولي العهد سمو الأمير محمد بن سلمان آل سعود، لأنني شعرت أنني استرددت أصولي من مكة والحجاز بعد رحلة أكثر من ألف سنة، لأعود إلى أرضي ووطني وأصولي. لبنان بحاجة إلى سمفونية الأمل وإلى عودته إلى حضنه العربي، المتمثّل بالمملكة العربية السعودية التي طالما كانت الحاضن والداعم الأكبر في كل أزمات لبنان ومحنه، ولبنان اليوم هو في حاجة إلى المملكة العربية السعودية لانتشاله من محنته، ودعمه ومساندتها له ووقوفها إلى جانبه، كما سبق وفعلت في أعتى الأزمات وأصعبها”.
كلمة القواس تركت أثراً كبيراً في نفوس الحاضرين في حفل “سمفونية الأمل” من أصحاب السّمو والمناصب الكبرى، المتمثلين في نخبة من المجتمع السعودي. بالإضافة إلى وجوه ثقافية وفنية وإعلامية في الحفل الباذخ الذي تمّ نقله مباشرة عبر شاشة MBC الثقافية الشريك الإعلامي للحدث.
رافقت القواس أوركسترا سمفونية ضمّت60 عازفاً من البولشوي والمارينسكي، ومن الأوركسترا اللبنانية الوطنية للموسيقى الشرق – عربية. وقدمت الحفل الإعلامية د. نشوة الرويني.
ومباشرة بعد كلمتها، غنت القواس رائعتها “لبنان عُد أملاً” التي ألفت موسيقاها وكتبها شعراً السفير السعودي الأسبق في لبنان الوزير الشاعر عبد العزيز خوجة، والتي تضمنت في أبياتها معاناة لبنان الممتدة عبر سنوات طويلة، والتي تحمل رسائل بالغة العمق إلى الساسة والقائمين على البلد، ومن أبياتها:
لبنان يا أملاً ما زلتَ موئله/ لبنان يا شامخ الهامات يا بطل
لبنان من عتبي لأنني دنف/ أشكو رجالك والنيران تشتعل
أين الثقافة هل جفّت منابعها/ أين النهى نوره ضاءت به الدول
يا ساسة البلد المستنجد اتحدوا/ هذي بلادكم والسهل والجبل
هذي هي الأرزة الشمّاء دامعة/ هذا هو الجبل العملاق ينفعل
بعد أغنية “لبنان عُد أملاً” اختارت القواس أن تختتم الحفل الكبير بأداء “السلام الملكي السعودي” بصوتها وعزفاً من الأوركسترا، كرمزية للوحدة الحاضنة من قِبل المملكة للبنان، كون القواس لبنانية سعودية، ما يجسّد أرقى أشكال الدبلوماسية الثقافية. فتلقفه الجمهور السعودي بفرح وحماسة كبيرين، وانتشر في شكل واسع على المنصات الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي وفي الإعلام وبين الناس. كما احتل حفل “سمفونية الأمل” المشهد الإعلامي والثقافي في المملكة العربية السعودية، وتصدّر الهاشتاغ الخاص بالحفل التراند عربياً في انتشار واسع بين السعودية والإمارات ومصر، ما أظهر التفاعل الكبير من الإعلام والمتابعين مع قضية السلياك، وبقيت الحفلة متصدرة مواقع التواصل الاجتماعي إلى اليوم التالي.
وكان سبق انطلاق الحفل كلمة لنائب صاحب السّمو الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان آل سعود وزير الثقافة، الأستاذ حامد بن محمد فايز، ومما جاء فيها: “أسعد بالوجود معكم في هذه الليلة نيابة عن راعي الحفل صاحب السمو الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان آل سعود، وزير الثقافة، وذلك في أمسية من أمسيات جمعية السلياك التي نفخر في وزرارة الثقافة بدعم برامجها ومبادراتها الهادفة، حيث تعزز الجمعية العمل الخيري الإنساني لمساعدة مرضى السلياك والتوعية بمخاطره على صحة مجتمعنا، ويسعدنا في منظومة الثقافة، دعم الجمعية لتحقيق أهدافها النبيلة، بالإضافة إلى نشر الثقافة والفنون الموسيقية والتشكيلية من خلال هذا الحفل الخيري”.
وكذلك كانت كلمة لصاحبة السمو الأميرة أ.د. مشاعل بنت محمد بن سعود آل سعود بكلمة جاء فيها: “نلتقي الليلة في محفلٍ خيريّ، ومناسبةٍ إنسانيةٍ تنظّمُها جمعيةُ السلياك، في مهمةٍ خيريةٍ وحدثٍ وطنيّ نوظّفُ فيه تلاحُمَنا الوطني، ونسخّرُ من خلاله واجبَنا الإنساني، في حفلٍ جمعَ الثقافةَ بالخيرِ ، ومزَجَ النيّةَ بالهدفِ، بعنوان “سمفونيّة الأمل”. ودائماً في إطارِ سعيِنا للأمل، عمدتْ الجمعيةُ عبر مبادراتِها وبرامجِها إلى نشرِ الوعي حول المرض، وتكفّلتْ بالدعمِ النفسي والصحي الكامل لجميع مرضى السلياك وأُسَرِهم، في مبادراتٍ شاملة وواسعة وفي جميع أنحاءِ المملكة ومُدنِها ومناطقها، مُسخّرين جميعَ إمكاناتِنا وقُدُراتِنا وفريقِ عملنا في سبيلِ الوصولِ إلى تحقيقِ الهدفِ الأبرز، وهو: تخفيفُ معاناة المرضى، الوقوفُ إلى جانبهم بكلِّ ما أُوتِينا من عزمٍ وإرادةٍ وإصرار، تقديمُ الدعمِ والمساعدات، والوصول إلى مجتمعٍ سليمٍ معافى من الأمراضِ والآلام، كما يليقُ بمملكتِنا الحبيبة. هذه الرسالةُ الأبهى، تكتبها الليلة بِنَغمٍ من نور وبِصوتِها الأَيقونيّ، رائدةُ الأوبرا العربية والمؤلفة الموسيقية، ورئيسةُ المعهد الوطني العالي للموسيقى في لبنان الدكتورة هبة القواس، التي كانت المبادِرةَ الأبرز في دعم الجمعية، عبر إحياءِ الحفل بِموسيقاها وأغنياتِها وحضورِها المتألق، والأوركسترا السمفونية العالمية المرافقة لها، وعبر إنتاجِ هذا الحفل وتقديمِه إلى جمعيةِ السلياك، إيماناً منها برسالتِنا النبيلة. وهل ثمةَ أعظمُ من أنْ يَحملَ الصوتُ الأوبرالي الفاتن قضيةً إنسانيةً راقيةً وهادفة على أجنحةٍ من حلمٍ وأمل؟”
وفي إطلالة فاتنة وصوت أيقوني، تألقت القواس في الحفل الموسيقي، قيادةً وغناءً أوبرالياً عربياً وعالمياً، في توليفة مبهرة التنوّع بين الموسيقى الكلاسيكية العالمية وبين موسيقى القواس الخاصة من تأليفها عزفاً من الأوركسترا وغناء. وخصوصاً عند دخولها المهيب بفستانها الأخضر على وقع الموسيقى الأكابيلا، مؤدّيةً “أداجيو” ب. ألبينوني، التي أعادت توزيعها وأبدعت في غنائها.
ومع رائعة تشايكوفسكي الخالدة “بحيرة البجع” (أنترميزو) مشهد1، تراقصت الأنغام كماء البحيرة الفاصلة بين الحضور والمسرح والتي صُممت خصيصاً للمناسبة، وامتزج عبق الماء في البحيرتين اللتين تلألأت في انعكاسهما أنامل موسيقيي “أوركسترا روسيا فيرتيوزي”. ثم انتقل الحضور إلى عالم أثيري آخر من الدهشة وعالم الموسيقى الخالدة، التي أدتها الأوركسترا في عزفها مع “كسارة البندق” 2 مارش لتشايكوفسكي.
وفي “رقصة روسية” من باليه بحيرة البجع، تمكنت الأوركسترا من العبور بالسامعين إلى ضفة أخرى من انسيابية النغم، لا سيما مع العزف المنفرد على الكمان للعازفة أوليانا كيسليتسينا، التي تحول الكمان بين أناملها الرشيقة إلى آلة أثيرية محلّقة.
ليطل مجدداً صوت القواس السموي مع قصيدة “وتحبني” للشاعرة هدى النعماني، تأليف القواس، متنقلةً بطبقاتها وتموجات صوتها وأدائها العالي، في وصال بهيّ بين عمق الكلمة واللحن والصوت. وعبوراً إلى النقاء الذي يجسده الحلاج في قصيدته الخالدة “يا نسيم الريح” بموسيقى القواس، تمكنت السوبرانو من الالتحام الموسيقي الروحي في أداء ظلّل ليل قصر حطّين. وبين أغنية “يدُك” (عود وأوركسترا) عود عبدالله نمور، موسيقى القواس، وأغنية “حبيبي” موسيقى القواس وشعر عبد العزيز خوجة، تربعت القواس على قمة الأداء الساحر الذي انتقل عطره إلى الحضور النخبوي فعاش تلك اللحظات بالتماهي والانبهار.
وبعد عودة للكمان المنفرد مع قوس أوليانا الذي سافر إلى “الفصول الأربعة” لفيفالدي برشاقة وبهاء ومهارة، تجلّت موسيقى الموشّح الأندلسي “لمّا بدا يتثنّى” في حلّة موسيقية مترفة في توزيع أوركسترالي للقواس، وغنائها الذي أخذ الحضور إلى رحلة أندلسية ساحرة، ليطير بهم مجدداً إلى فضاء مختلف من السكون مع “ميموري” (من كاتس) لأندرو لويد ويبر بصوت القواس.
أما “بليزوس” رقم 1، الحركة الثانية، المعزوفة الملهمة من تأليف القواس وقيادتها، فسكبت على العطر عطراً مضافاً، وعلى “سمفونيّة الأمل” إشراقات القواس في موسيقاها العظيمة التي تحمل خصوصية هويتها وبصمتها الفريدة. وإلى النجوم، حيث حلّقت القواس طيلة الحفل، مستعيدةً أغنيتها التحفة “نجوم الدني بعينيك” التي ألفت موسيقاها وكتبت كلماتها ندى الحاج، لتترك بعدها المسرح للأوركسترا وهي تتنزّه بآلاتها وعازفيها في حدائق شستاكوفيتش ورائعته “والتس رقم 2”.
اختُتم الحفل بمزاد فني تشكيلي خُصص ريعه لجمعية السلياك، تحت إدارة الكاتبة وسيدة الأعمال د. وفاء الرشيد، وبمشاركة مجموعة متميزة من الفنانين السعوديين ومنهم: مها الملوح، حنان باحمدان، فهد النعيمة، نجلا السليم، لولوة الحمود، وغيرهم من الفنانين. وذلك في سعي من “جمعية السلياك”، إلى دمج الفنون التشكيلية والموسيقية، وإلى تعزيز روح العطاء والتكافل والتضامن في المجتمع، المتمثل في الهدف الخيريّ للحفل.