حسابات التصعيد: استراتيجية حزب الله وتوازن الردع مع العدو
تحدث العدو عن قيامه بعملية استباقية، إلا أن ما حدث فعلياً هو أن عملية المقاومة تمت بعد الوقت الذي ادعى فيه العدو إحباط الهجوم. ورغم اعتراف العدو بفشل خطته في الإحباط ونجاح حزب الله في ضرب تل أبيب الكبرى، إلا أنه امتنع عن الرد على العملية. هذا الامتناع لم يكن متوقعاً، خاصة أن العدو كان قد وضع هدفاً محدداً من عدوانه على الضاحية، مدعوماً بالتهديدات السابقة، مما كان يفرض عليه الرد على الأقل لتأكيد عزمه على فرض معادلة إبقاء الضاحية تحت تهديد الرد والمبادرة. لكن العدو أدرك أن أي تحرك في هذا الاتجاه كان سيقابله رد مكافئ، مع احتمال كبير أن يؤدي التصعيد إلى ضربات قاسية قد تنزلق إلى مواجهة شاملة لا يرغب فيها الطرفان. تلك المواجهة ستعود بالأمور إلى معادلة ما قبل عدوان الضاحية. ومع ذلك، في حال كانت لدى العدو رهانات وتقديرات أخرى، فإن الوضع قد يأخذ المنطقة إلى مسارات مختلفة، حيث لا يستطيع العدو التحرك منفرداً دون تنسيق مع الأميركيين.
بالنسبة للمستقبل القريب، وبعيداً عن تحليل السيناريوهات المحتملة، يبدو أن العدو قد أدرك من خلال إصرار حزب الله على الرد بالرسائل التي حملتها العملية، أن أي استمرارية في عدوانه على الضاحية الجنوبية سيواجه بتصعيد ضد تل أبيب. وكلما تبين أن الرد لم يكن كافياً لكبح جماح العدو، سيقوم حزب الله برفع سقف الرد. وهكذا، فإن المعادلة التي فرضها حزب الله والرسائل التي وصلت إلى صناع القرار الأمني والسياسي في العدو تمثل خطوة مهمة لتعزيز جبهة الدعم لغزة، مع تقليل الخسائر في لبنان حتى الآن. علاوة على ذلك، فإن جبهة الدعم، عبر ردود بمستويات مختلفة، تلعب دوراً رئيسياً في تعزيز المعادلات التي تمنح المقاومة هامشاً أكبر للتصرف ضد العدو، مما يسهم في إعادة بناء ركائز الأمن القومي التي تضررت، بما يخدم لبنان والمقاومة والمنطقة.