قرارات جذرية لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان تثير تساؤلات حول المستقبل
في خطوة غير متوقعة أثارت ضجة كبيرة في الأوساط الإنسانية والسياسية، أعلنت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) في لبنان عن مجموعة من القرارات الجوهرية التي ستعيد تشكيل طريقة دعم اللاجئين السوريين في البلاد. بعد شهور من المفاوضات المحتدمة مع الحكومة اللبنانية حول إعادة اللاجئين إلى سوريا، فوجئ الجميع بسلسلة من الإجراءات المفاجئة تضمنت إغلاق مكاتب رئيسية وتقليص الأنشطة الميدانية.
ما الذي يقف وراء هذه الخطوة؟ وما هي التداعيات المحتملة على الموظفين واللاجئين؟
في تطور غير متوقع، عقد ممثل المفوضية في لبنان، إيفو فرايسن، اجتماعاً مع الموظفين في مكتب جبل لبنان وأعلن خلاله عن قرار مفاجئ بإغلاق المكتب وإنهاء خدمات جميع الموظفين. وعلل القرار بأن هذه الخطوة تأتي في إطار “إجراءات تقشفية” فرضتها “تحديات التمويل” التي تواجه المفوضية، ما يستدعي خفض ميزانيتها لعام 2025.
ولم تتوقف القرارات عند هذا الحد، بل شملت أيضاً إغلاق مكاتب المفوضية في عدة مناطق أخرى بحلول منتصف عام 2025، منها مكاتب في جبل لبنان، مدينة صور، والقبيات في عكار، مما أدى إلى صرف جميع الموظفين العاملين في هذه المكاتب.
وأكد فرايسن أن هذه القرارات تأتي في إطار تقليص حجم المفوضية وتحجيم أنشطتها. وفي تحول لافت، قررت المفوضية إلغاء المكاتب الميدانية المنتشرة في مختلف المناطق واستبدالها بمكتب مركزي واحد للإشراف على كافة الأراضي اللبنانية. في الوقت الراهن، ستظل المكاتب الفرعية في طرابلس وزحلة مفتوحة، ولكن التركيز سيكون على المكتب المركزي.
لكن ما السبب وراء هذا القرار المفاجئ؟
أثارت الأزمة المتعلقة بعودة اللاجئين السوريين إلى سوريا، والحملات المستمرة لإخراجهم من القرى والمدن اللبنانية، وخاصة بعد حادثة باسكال سليمان، سلسلة من التعاميم من الأمن العام اللبناني وإغلاق بعض المحلات. بالإضافة إلى ذلك، هناك خلافات حول تسليم “الداتا” التي تطالب بها الدولة اللبنانية بينما ترفض المفوضية تسليمها. كل هذه العوامل قد تكون دفعت المفوضية لاتخاذ هذه القرارات المفاجئة.
ورغم أن إيفو فرايسن أشار إلى تقليص التمويل كسبب رئيسي لهذه القرارات، إلا أن هناك تناقضًا لافتًا، حيث أعلنت رئيسة الاتحاد الأوروبي، أورسولا فون دير لاين، في مايو الماضي عن حزمة مساعدات مالية ضخمة بقيمة مليار يورو للفترة من 2024 إلى 2026.
هذه القرارات غير المتوقعة من المفوضية ستؤثر سلباً على أكثر من مئة موظف لبناني تم تسريحهم، بعد أن تم تقليص 10% من الموظفين في العام الماضي. كما ستؤدي إلى تباطؤ في تقديم الخدمات الحيوية مثل الصحة والسكن والتعليم للاجئين، مما سيزيد الأعباء على الحكومة اللبنانية.
في ضوء هذه التطورات، من المهم أن تستدعي الدولة اللبنانية مسؤول المفوضية للتحقيق في الأسباب الحقيقية وراء هذه الإجراءات التقشفية، وما إذا كانت ناتجة عن سياسات دولية أو أسباب مادية بحتة. ومع اقتراب إغلاق مكاتب المفوضية وتراجع نشاطها في لبنان، تثار تساؤلات عديدة حول الدوافع الحقيقية لهذه القرارات.
وفي ظل هذه الأزمات المتشابكة، يجب على الدولة اللبنانية اتخاذ خطوات استراتيجية لإدارة الوضع الحالي، سواء عبر الحوار مع الحكومة السورية أو من خلال إعادة تقييم السياسات والتمويل الدولي. تبقى الأسئلة قائمة حول كيفية التوفيق بين الالتزامات الإنسانية والضغوط الاقتصادية، وما ستؤول إليه الأمور في المرحلة القادمة.
الديار